[size=32]اليكم قصة ميلاده صلى الله عليه وسلم
[/size]
[size=32] [/size]
[size=32]عباد الله : لقد كان العربُ يعيشون قبل مولده ومبعثِه صلى الله عليه وسلم جاهليةً جهلاء في مداهمةٍ ظلماء ، كانوا أسارى شبهات ، وأرباب شهوات ، يعبدون الأصنام ، ويستقسمون بالأزلام ، جهلٌ وكفر، وعربدة وسكر، ظلوا على ذلك الحال إلى أن أذن اللهُ سبحانه بخروج النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أشرق بمولده عليه الصلاة والسلام فجر جديد ، وتنفسَ صبحٌ مجيد ، ليبعثَ الحرية الحقيقية من قبرها ، ويطلق العقول من أسرها ، وينقذ البشرية من جهلها .
نورٌ من الرحمن أرسله هدى * للناس فازدهر الزمانُ وأينعا
دع عنك إيوانا لكسرى عندما * هتفوا بمولدهِ هوى وتصدعا
وأذكره كيف أتى شعوباً فُرقت * أهواؤها كلُ يصحح ما أدعا
فهداهُم للحق حتى أصبحوا * في الله إخواناً تراهم ركعا
عباد الله : لقد كان عامُ الفيل والأحداثُ التي جرت فيه ، تقدمةً قدمها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب ، وكان دينُهم خيراً من دين أهل مكة إذ ذاك، لأنهم كانوا عباد أوثان ، فنصرهم الله على أهلِ الكتاب نصراً لا صنع للبشر فيه، إرهاصا وتقدمةً للنبي صلى الله عليه وسلم الذي خرج من مكة ، وتعظيماً للبيت الحرام .
أيها المسلمون: تزوج عبدالله بن عبدالمطلب أشرف عقيلةٍ في قريش آمنة بنتَ وهب بنت عبد منافِ ، فلما أفضى إليها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرجَ عبدالله بن عبدالمطلب إلى الشام في عير لقريش يحملون تجارات ، فلما فرغوا من تجارتهم ، مال عبدالله بن عبدالمطلب إلى أخواله بني عدي بن النجار، فأقام عندهم شهراً مريضاً ، ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبدالمطلب عن ابنه عبدالله ، فقالوا : خلفناه عند أخواله بن عدي بن النجار وهو مريض ، فبعث إليه عبدالمطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي في دار النابغة ، فرجع إلى أبيه فأخبره ، فوجد عليه عبدالمطلب وأخوته وأخواته وجداً شديداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حملٌ ، ولعبدالله بن عبدالمطلب يوم توفي خمساً وعشرين سنة .
أيها المسلمون : توفي عبدالله بن عبدالمطلب ونبينا صلى الله عليه وسلم جنينٌ في بطن أمه ، وهذا أبلغ اليُتم وأعلى مراتبه ، وفي حالِه صلى الله عليه وسلم أسوةٌ للأيتامِ في كلِ زمانٍ ومكان، ليعرفوا أن اليتم ليس نقمةً ، وأنه لا يجبُ أن يقعد بصاحبهِ عن بلوغِ أسمى المراتب .
تقول آمنةٌ بنتُ وهب : لقد علقتُ به تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وجدتُ له مشقةً حتى وضعتُه ، فلما فصل مني خرج معه نورٌ أضاءت له قصورُ الشام ، وهو مصداق رؤيا رأتها أمه قبل مولده أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : (( رأت أمي حين حَملت بي كأنه خرج منها نورٌ أضاءت له قصور بُصرى من أرض الشام .. )) أخرجه أحمد .
عباد الله : في شهر ربيع الأول من عام الفيل ، وفي يوم الاثنين من ذلك الشهر ولدِ صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة ، وكان المولود إذا ولد آنذاك دفع إلى نسوةٍ من قريش إلى الصبح ، يكفأن عليه برمةً ، فلما ولد صلى الله عليه وسلم دفعه عبدالمطلب إلى نسوةٍ فكفأن عليه برمةً ، فلما أصبحن أتينَ ، فوجدن البرمة قد انفلقت عنه باثنتين ، ووجدنه مفتوحَ العينين ، شاخصاً ببصره إلى السماء ، فأتاهُن عبدالمطلب فقلن له : ما رأينا مولوداً مثله ، وجدناه قد انفلقت عنه البرمة ، ووجدناه فاتحاً عيناه شاخصاً ببصره إلى السماء فقال جده عبدالمطلب: أحفظنه ، فإني أرجو أن يكون له شأن أو أن يصيب خيرا ، وقد كان له ما توقع من شأنه صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون : حدثت آمنة بنت وهب أنها أُتيت وهي حاملٌ بمحمد صلى الله عليه وسلم فقيل لها : إنك قد حملتِ بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فسميه محمد ، فإن أسمه في التوراة محمد ، وأسمه في الإنجيل أحمد ، يحمده أهل السماء والأرض ، وأسمه في القرآن محمد فسمته بذلك ثم جاءت به إلى عبدالمطلب فقالت : ولدت الليلة غلام ، فانظر إليه ، فلما جاءها أخبرته وحدثتُه بما كانت رأت حين حَمَلت به ، وما قيل لها فيه ، وما أُمرت أن تسميه ، فأخذه عبدالمطلب وأدخله البيت يطوف به حول الكعبة ثم قام يدعو ويشكر الله عز وجل .
عباد الله: لما كان يوم السابع للنبي صلى الله عليه وسلم ذبح عنه جده عبدالمطلب ودعا له قريشاً فلما أكلوا ، قالوا : يا عبدالمطلب ، أرأيتً أبنك هذا الذي كرمتنا على وجهه ، ما سميته ؟
قال : سميته محمداً ، قالوا : فلم رغبتَ به عن أسماء آل بيته ؟ قال : أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض، قال بعض أهلِ العلم : ألهمهم اللهُ عز وجل أن سموهُ محمداً لما فيه من الصفات الحميدة ، ليلتقي الاسمُ والفعل ، ويتطابقُ الاسم والمسمى ، في الصورة والمعنى ، كما قال عمهُ أبو طالب ، ويروى عن حسان :
وشق له من أسمه ليُجلَّهُ * فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ
عباد الله : محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، سمي بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد، فنبينا صلى الله عليه وسلم محمودٌ عند الله ، ومحمودٌ عند ملائكته ، ومحمودٌ عند إخوانه من المرسلين ، ومحمودٌ عند أهل الأرض كلِهم وإن كفر به بعضهم ، فمحمد صلى الله عليه وسلم محمودٌ بما ملأ به الأرض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح ، حيث فتح اللهُ به القلوب وكشف به الظلمةَ عن أهل الأرض ، استنقذهم من أسر الشياطين ومن الشرك بالله والكفر به والجهل ، حتى نال به أتباعه شرفَ الدنيا والآخرة ، ولقد وافق صلى الله عليه وسلم أهل الأرض أحوج ما كانوا إليه ، فإنهم كانوا بين : عباد أوثانٍ ، وعباد صلبانٍ ، وعباد نيران ، وعباد كواكب ، ومغضوب عليهم قد باؤوا بغضبٍ من الله ، وحيران لا يعرف رباً يعبدهُ ، ولا بماذا يعبدهُ ، والناسُ يأكل بعضهم بعضا ، من استحسن شيئاً دعا إليه وقاتل من أجله من خالفه ، ليس في الأرض آنذاك موضعُ مشرقٌ بنور الرسالة، فأغاث الله بمحمد صلى الله عليه وسلم البلاد والعباد ، كشف به تلك الظلم ، أحيا به الخليقةَ بعد الموت، هدى الله به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، كثَّر به بعد القلة، وأعز به بعد الذلة، فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فعرف الناس ربهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة صلى الله عليه وسلم وجزاه عنا خير ما جزا نبياً عن أمته .
رباك ربُك جلَّ من رباك * ورعاك في كنفِ الهدى وحماك
سبحانه أعطاك فيض فضائلِ * لم يعطها في العالمين سواكـا
سبحانه أعطـاك خيرَ رسالةٍ * للعالمين بها نشرتَ هداكــا
سواك في خلقٍ عظيم وارتقى * فيك الجمال .. فجل من سواكا
وحباك في يوم الحساب شفاعةَ * محمودةً ما نــالهــا إلاكا
الله أرسلكم إلينا رحمـةً * ما ضلَّ من تبعت خُطاه خطاكا
كنا حيارى في الظلام فأشرقت * شمس الهداية يوم لاح سناكا
كنا وربي غارقين بغينا * حتى ربطنا حبلنا بعــراكا
ماذا يزيدك مدُحنا وثناؤنا * والله في القرآن قد زكــاكا
ماذا يفيدُ الذبُ عنـك وربُنا * سبحانه بعيـونــه يرعاكا
روحي وأبنائي وأهلي كلهم * وجميع ما حوت الحياة فداكا
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم .
الخطبة الثانية
عباد الله : إن مما أحدث الناسُ في هذه الأزمان ، ما يقومُ به فئام من البشر من الاحتفال في شهر ربيع الأول بمولد النبي صلى الله عليه وسلم حيث يجتمعون في الليلة الثانية عشر منه في المساجد والبيوت، فيصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بصلوات مبتدعة ، ويقرؤون مدائح للنبي صلى الله عليه وسلم تخرج بهم إلى حد الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وربما صنعوا مع ذلك طعاماَ فأضاعوا المال والزمان ، وأتعبوا الأبدان فيما لم يشرعه الرحمن ، ولو كان خيراَ ما حرمه الله سلفَ هذه الأمة ، وفيهم الخلفاءُ الراشدون والأئمة ، وما كان الله تعالى ليحرم سلفَ هذه الأمة ذلكَ لو كان خيراً ، ثم يأتي أناس بعدهم فيحدثون تلك البدعة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : واتخاذ الموالد عيداً بدعة من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها ، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رحمهم الله أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيماً له منا ، وهم على الخير أحرص .. ثم أضاف رحمه الله : فأما الاجتماع في عملِ المولد على غناءٍ ورقص ، واتخاذ ذلك عبادةٌ فلا يرتابُ أحدٌ من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي يُنهى عنها ، ولا يستحبُ ذلك إلا جاهل أو زنديق أ.هـ .
عباد الله : إن ادعاء المحبة وإحياء ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم من خلال الموالد والمحدثات دون أن يكون الإنسان على هديه ونهجه فهذا من الكذب الصريح ، إذ كيف يجتمعُ حبُ الرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفة أمرهِ وهديه بالإحداث في الدين ، بل كيف يجتمعُ حبهُ وذكرهُ مع تلك المحرمات التي تفعل في تلك الليلة المزعومة من رقص وخمور ولهو وغناء محرم (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) .
أيها المسلمون : ذهبَ جمهور العلماء إلى أن نبينا محمداَ صلى الله عليه وسلم ولدِ في شهر ربيع الأول، ولكنهم اختلفوا في تاريخ اليوم الذي ولد فيه اختلافاً كثيراً ، وفي المقابل اتفق العلماء على أن وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة النبوية ، وبناء عليه فإن الاحتفال في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول إساءة أدبٍ وجفوة للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهم في الحقيقة إنما يحتفلون بموتِه لا بمولدهِ ، وكفى بذلك قبحاً وضلالا ، وجفوةً وإعراضاً ، وعلى فرض أنه ولد في الثاني عشر من ربيع الأول ، فإن صاحب العقل السليم يدركُ أن الفرح في تلك الليلة ليس بأولى من الحزن على وفاته ، فإن الأمة ما أصيبت بأعظم من فقده عليه الصلاة والسلام ، ولكنها قلوبٌ ضعيفة الإيمان ، غلبت عليها الشبه
[/size]
[size=32]والأهواء فأغواها الشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله هو ربنا وعليه التكلان .
ثم صلوا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة[/size]
[/size]
[size=32] [/size]
[size=32]عباد الله : لقد كان العربُ يعيشون قبل مولده ومبعثِه صلى الله عليه وسلم جاهليةً جهلاء في مداهمةٍ ظلماء ، كانوا أسارى شبهات ، وأرباب شهوات ، يعبدون الأصنام ، ويستقسمون بالأزلام ، جهلٌ وكفر، وعربدة وسكر، ظلوا على ذلك الحال إلى أن أذن اللهُ سبحانه بخروج النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أشرق بمولده عليه الصلاة والسلام فجر جديد ، وتنفسَ صبحٌ مجيد ، ليبعثَ الحرية الحقيقية من قبرها ، ويطلق العقول من أسرها ، وينقذ البشرية من جهلها .
نورٌ من الرحمن أرسله هدى * للناس فازدهر الزمانُ وأينعا
دع عنك إيوانا لكسرى عندما * هتفوا بمولدهِ هوى وتصدعا
وأذكره كيف أتى شعوباً فُرقت * أهواؤها كلُ يصحح ما أدعا
فهداهُم للحق حتى أصبحوا * في الله إخواناً تراهم ركعا
عباد الله : لقد كان عامُ الفيل والأحداثُ التي جرت فيه ، تقدمةً قدمها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب ، وكان دينُهم خيراً من دين أهل مكة إذ ذاك، لأنهم كانوا عباد أوثان ، فنصرهم الله على أهلِ الكتاب نصراً لا صنع للبشر فيه، إرهاصا وتقدمةً للنبي صلى الله عليه وسلم الذي خرج من مكة ، وتعظيماً للبيت الحرام .
أيها المسلمون: تزوج عبدالله بن عبدالمطلب أشرف عقيلةٍ في قريش آمنة بنتَ وهب بنت عبد منافِ ، فلما أفضى إليها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرجَ عبدالله بن عبدالمطلب إلى الشام في عير لقريش يحملون تجارات ، فلما فرغوا من تجارتهم ، مال عبدالله بن عبدالمطلب إلى أخواله بني عدي بن النجار، فأقام عندهم شهراً مريضاً ، ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبدالمطلب عن ابنه عبدالله ، فقالوا : خلفناه عند أخواله بن عدي بن النجار وهو مريض ، فبعث إليه عبدالمطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي في دار النابغة ، فرجع إلى أبيه فأخبره ، فوجد عليه عبدالمطلب وأخوته وأخواته وجداً شديداً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حملٌ ، ولعبدالله بن عبدالمطلب يوم توفي خمساً وعشرين سنة .
أيها المسلمون : توفي عبدالله بن عبدالمطلب ونبينا صلى الله عليه وسلم جنينٌ في بطن أمه ، وهذا أبلغ اليُتم وأعلى مراتبه ، وفي حالِه صلى الله عليه وسلم أسوةٌ للأيتامِ في كلِ زمانٍ ومكان، ليعرفوا أن اليتم ليس نقمةً ، وأنه لا يجبُ أن يقعد بصاحبهِ عن بلوغِ أسمى المراتب .
تقول آمنةٌ بنتُ وهب : لقد علقتُ به تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وجدتُ له مشقةً حتى وضعتُه ، فلما فصل مني خرج معه نورٌ أضاءت له قصورُ الشام ، وهو مصداق رؤيا رأتها أمه قبل مولده أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : (( رأت أمي حين حَملت بي كأنه خرج منها نورٌ أضاءت له قصور بُصرى من أرض الشام .. )) أخرجه أحمد .
عباد الله : في شهر ربيع الأول من عام الفيل ، وفي يوم الاثنين من ذلك الشهر ولدِ صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة ، وكان المولود إذا ولد آنذاك دفع إلى نسوةٍ من قريش إلى الصبح ، يكفأن عليه برمةً ، فلما ولد صلى الله عليه وسلم دفعه عبدالمطلب إلى نسوةٍ فكفأن عليه برمةً ، فلما أصبحن أتينَ ، فوجدن البرمة قد انفلقت عنه باثنتين ، ووجدنه مفتوحَ العينين ، شاخصاً ببصره إلى السماء ، فأتاهُن عبدالمطلب فقلن له : ما رأينا مولوداً مثله ، وجدناه قد انفلقت عنه البرمة ، ووجدناه فاتحاً عيناه شاخصاً ببصره إلى السماء فقال جده عبدالمطلب: أحفظنه ، فإني أرجو أن يكون له شأن أو أن يصيب خيرا ، وقد كان له ما توقع من شأنه صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون : حدثت آمنة بنت وهب أنها أُتيت وهي حاملٌ بمحمد صلى الله عليه وسلم فقيل لها : إنك قد حملتِ بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فسميه محمد ، فإن أسمه في التوراة محمد ، وأسمه في الإنجيل أحمد ، يحمده أهل السماء والأرض ، وأسمه في القرآن محمد فسمته بذلك ثم جاءت به إلى عبدالمطلب فقالت : ولدت الليلة غلام ، فانظر إليه ، فلما جاءها أخبرته وحدثتُه بما كانت رأت حين حَمَلت به ، وما قيل لها فيه ، وما أُمرت أن تسميه ، فأخذه عبدالمطلب وأدخله البيت يطوف به حول الكعبة ثم قام يدعو ويشكر الله عز وجل .
عباد الله: لما كان يوم السابع للنبي صلى الله عليه وسلم ذبح عنه جده عبدالمطلب ودعا له قريشاً فلما أكلوا ، قالوا : يا عبدالمطلب ، أرأيتً أبنك هذا الذي كرمتنا على وجهه ، ما سميته ؟
قال : سميته محمداً ، قالوا : فلم رغبتَ به عن أسماء آل بيته ؟ قال : أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض، قال بعض أهلِ العلم : ألهمهم اللهُ عز وجل أن سموهُ محمداً لما فيه من الصفات الحميدة ، ليلتقي الاسمُ والفعل ، ويتطابقُ الاسم والمسمى ، في الصورة والمعنى ، كما قال عمهُ أبو طالب ، ويروى عن حسان :
وشق له من أسمه ليُجلَّهُ * فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ
عباد الله : محمدٌ صلى الله عليه وسلم ، سمي بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد، فنبينا صلى الله عليه وسلم محمودٌ عند الله ، ومحمودٌ عند ملائكته ، ومحمودٌ عند إخوانه من المرسلين ، ومحمودٌ عند أهل الأرض كلِهم وإن كفر به بعضهم ، فمحمد صلى الله عليه وسلم محمودٌ بما ملأ به الأرض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح ، حيث فتح اللهُ به القلوب وكشف به الظلمةَ عن أهل الأرض ، استنقذهم من أسر الشياطين ومن الشرك بالله والكفر به والجهل ، حتى نال به أتباعه شرفَ الدنيا والآخرة ، ولقد وافق صلى الله عليه وسلم أهل الأرض أحوج ما كانوا إليه ، فإنهم كانوا بين : عباد أوثانٍ ، وعباد صلبانٍ ، وعباد نيران ، وعباد كواكب ، ومغضوب عليهم قد باؤوا بغضبٍ من الله ، وحيران لا يعرف رباً يعبدهُ ، ولا بماذا يعبدهُ ، والناسُ يأكل بعضهم بعضا ، من استحسن شيئاً دعا إليه وقاتل من أجله من خالفه ، ليس في الأرض آنذاك موضعُ مشرقٌ بنور الرسالة، فأغاث الله بمحمد صلى الله عليه وسلم البلاد والعباد ، كشف به تلك الظلم ، أحيا به الخليقةَ بعد الموت، هدى الله به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، كثَّر به بعد القلة، وأعز به بعد الذلة، فتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فعرف الناس ربهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة صلى الله عليه وسلم وجزاه عنا خير ما جزا نبياً عن أمته .
رباك ربُك جلَّ من رباك * ورعاك في كنفِ الهدى وحماك
سبحانه أعطاك فيض فضائلِ * لم يعطها في العالمين سواكـا
سبحانه أعطـاك خيرَ رسالةٍ * للعالمين بها نشرتَ هداكــا
سواك في خلقٍ عظيم وارتقى * فيك الجمال .. فجل من سواكا
وحباك في يوم الحساب شفاعةَ * محمودةً ما نــالهــا إلاكا
الله أرسلكم إلينا رحمـةً * ما ضلَّ من تبعت خُطاه خطاكا
كنا حيارى في الظلام فأشرقت * شمس الهداية يوم لاح سناكا
كنا وربي غارقين بغينا * حتى ربطنا حبلنا بعــراكا
ماذا يزيدك مدُحنا وثناؤنا * والله في القرآن قد زكــاكا
ماذا يفيدُ الذبُ عنـك وربُنا * سبحانه بعيـونــه يرعاكا
روحي وأبنائي وأهلي كلهم * وجميع ما حوت الحياة فداكا
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم .
الخطبة الثانية
عباد الله : إن مما أحدث الناسُ في هذه الأزمان ، ما يقومُ به فئام من البشر من الاحتفال في شهر ربيع الأول بمولد النبي صلى الله عليه وسلم حيث يجتمعون في الليلة الثانية عشر منه في المساجد والبيوت، فيصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بصلوات مبتدعة ، ويقرؤون مدائح للنبي صلى الله عليه وسلم تخرج بهم إلى حد الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وربما صنعوا مع ذلك طعاماَ فأضاعوا المال والزمان ، وأتعبوا الأبدان فيما لم يشرعه الرحمن ، ولو كان خيراَ ما حرمه الله سلفَ هذه الأمة ، وفيهم الخلفاءُ الراشدون والأئمة ، وما كان الله تعالى ليحرم سلفَ هذه الأمة ذلكَ لو كان خيراً ، ثم يأتي أناس بعدهم فيحدثون تلك البدعة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : واتخاذ الموالد عيداً بدعة من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها ، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رحمهم الله أحق به منا ، فإنهم كانوا أشد محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيماً له منا ، وهم على الخير أحرص .. ثم أضاف رحمه الله : فأما الاجتماع في عملِ المولد على غناءٍ ورقص ، واتخاذ ذلك عبادةٌ فلا يرتابُ أحدٌ من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي يُنهى عنها ، ولا يستحبُ ذلك إلا جاهل أو زنديق أ.هـ .
عباد الله : إن ادعاء المحبة وإحياء ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم من خلال الموالد والمحدثات دون أن يكون الإنسان على هديه ونهجه فهذا من الكذب الصريح ، إذ كيف يجتمعُ حبُ الرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفة أمرهِ وهديه بالإحداث في الدين ، بل كيف يجتمعُ حبهُ وذكرهُ مع تلك المحرمات التي تفعل في تلك الليلة المزعومة من رقص وخمور ولهو وغناء محرم (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )) .
أيها المسلمون : ذهبَ جمهور العلماء إلى أن نبينا محمداَ صلى الله عليه وسلم ولدِ في شهر ربيع الأول، ولكنهم اختلفوا في تاريخ اليوم الذي ولد فيه اختلافاً كثيراً ، وفي المقابل اتفق العلماء على أن وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة النبوية ، وبناء عليه فإن الاحتفال في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول إساءة أدبٍ وجفوة للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهم في الحقيقة إنما يحتفلون بموتِه لا بمولدهِ ، وكفى بذلك قبحاً وضلالا ، وجفوةً وإعراضاً ، وعلى فرض أنه ولد في الثاني عشر من ربيع الأول ، فإن صاحب العقل السليم يدركُ أن الفرح في تلك الليلة ليس بأولى من الحزن على وفاته ، فإن الأمة ما أصيبت بأعظم من فقده عليه الصلاة والسلام ، ولكنها قلوبٌ ضعيفة الإيمان ، غلبت عليها الشبه
[/size]
[size=32]والأهواء فأغواها الشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله هو ربنا وعليه التكلان .
ثم صلوا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة[/size]